النضال نحو مشاركة فعّالة في البرلمان... ماذا أنجزت المرأة العربية؟
نضال الحركات النسائية من أجل تحقيق المساواة ونيل الحقوق، لا سيما حقّ المرأة في التصويت والترشح للانتخابات، أينعت ثماره في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين بدأت بعض الدول بمنح المرأة حقوقها السياسية. عام 1893، أصبحت نيوزيلندا أول بلد يمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات البرلمانية. وفي العام 1918، منحت بريطانيا هذا الحق للنساء اللواتي تجاوزن الـ30 عاماً، ثم خفّضت سنّ التصويت إلى الـ21 عاماً في سنة 1928. التقدّم الكبير في وصول المرأة إلى البرلمان حول العالم حصل في القرنين العشرين والواحد والعشرين. ساهم في ذلك اتخاذ العديد من الدول إجراءات قانونيةً لضمان التمثيل السياسي للمرأة، فضلاً عن تبنّي سياسات تشجيعية لزيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية بفضل نشاط ومطالب الحركات النسائية ودعم منظمات المجتمع المدني.
لكن، بطبيعة الحال، لم يزدد تمثيل المرأة في البرلمانات بشكل متساوٍ بين الدول نتيجةً للمعوقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي حدّت من مشاركة النساء في الحياة السياسية في عدد منها. تشير دراسة أجراها الاتحاد البرلماني الدولي حول العنف ضد البرلمانيات، إلى أن وسائل الإعلام تتعمّد في بعض الأحيان "ترويج وترسيخ الشائعات والسلوك الكاره للمرأة". كشفت الدراسة أن 27.3% من البرلمانيات المشاركات واجهن تحدّيات مع وسائل الإعلام التقليدية التي قد تنشر صوراً أو تعليقات محتقرةً أو مشحونةً جنسياً حولهنّ، وارتفعت النسبة إلى 41.8% عندما سُئلن عن الصور أو التعليقات المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن تطبيق الكوتا ساهم في توسيع مشاركة المرأة وحضورها في البرلمانات، إلا أنها اصطدمت بالقيود الاجتماعية والثقافية في بعض المجتمعات العربية، ما خفف من تأثيرها في تغيير المشهد السياسي في الدول العربية. لذا، في سنة 2023، تراوحت نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات حول العالم بين 0% و61%. من أصل 194 بلداً، وصل التمثيل النسائي في البرلمان إلى النصف أو أكثر في ستة بلدان فقط (رواندا وكوبا وأندورا والنرويج والمكسيك والإمارات)، في حين بقي التمثيل النسائي في البرلمان معدوماً في بعض البلدان مثل اليمن.
بدايات تمثيل المرأة في البرلمانات
في سنة 1907، شهدت فنلندا تاريخاً مميزاً حينما أصبحت أول دولة في العالم تحقّق المرأة فيها تمثيلاً سياسياً داخل البرلمان، ثم تبعتها النرويج في سنة 1911. أما في الدول العربية، فدخلت المرأة برلماناتها مع نهاية الخمسينيات.
ويشير الجدول أدناه إلى أن مصر كانت أول بلد عربي تحصل المرأة فيه على تمثيل في البرلمان سنة 1957، تلتها تونس (1959)، والجزائر (1962)، ولبنان (1963)، والسودان (1964).
الدول التي تتميز بالمشاركة الأعلى للمرأة في السلطة التشريعية
تحتل رواندا المركز الأول، إذ تشغل النساء نسبة 61.3% من مقاعد مجلس النواب فيها (49 مقعداً من أصل 80). كوبا في المركز الثاني بنسبة 55.7% في الهيئة التشريعية (262 مقعداً من أصل 470)، تليها نيكاراغوا بنسبة 51.7% (47 مقعداً من أصل 51). المركز الرابع تقاسمته ثلاثة بلدان حيث شغلت النساء 50% من المقاعد في كل من المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات العربية المتحدة، ومجلس النواب في المكسيك، والهيئة التشريعية في أندورا. في المركز السابع حلّت أيسلندا بنسبة 47.6%، وكوستاريكا في المركز الثامن بنسبة 47.4%، والسويد في المركز التاسع بنسبة 46.4%. أما بوليفيا والنرويج فتقاسمتا المركز العاشر بنسبة 46.2%.
ويتبيّن من قائمة البلدان الأحد عشر الأولى في تمثيل المرأة في البرلمان، أن خمسةً منها تقع في قارة أمريكا، وأربعةً منها في قارة أوروبا، وبلداً واحداً في قارة إفريقيا، وآخر في قارة آسيا هو الإمارات العربية المتحدّة، البلد العربي الوحيد الذي اخترق القائمة.
المرأة العربية ونسب تمثيلها في البرلمانات العربية
على الجانب الآخر، ما زالت مشاركة المرأة في البرلمان متدنيّةً في العديد من الدول العربية، مثل لبنان وقطر والكويت. ففي سنة 2023، بلغت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان في لبنان 6.3%، 4.40% في قطر، 3.10% في الكويت، 2.3% في عمان. أما في اليمن، فما زالت أبواب البرلمان موصودةً في وجه النساء ولا تمثيل لهنّ داخله.
برغم سلبية تدنّي نسبة تمثيل المرأة في السلطة التشريعية في الدول العربية، إلا أن بعض الإيجابية تكمن في الزيادة الملحوظة في هذه النسبة بأكثر من أربعة أضعاف. فقد ارتفعت من 3.8% في عام 2000 -وقد كانت النسبة الأدنى في العالم آنذاك- إلى 17.7% في نهاية عام 2023.
أبعد من النسب التمثيليّة... فاعلية دور المرأة في الحياة السياسية
في نهاية المطاف، مطلب وصول المرأة إلى البرلمان لا ينطلق حصراً من قضية المساواة والعدالة والشمول في التمثيل السياسي، بل أيضاً مما ينتجه التنوّع في التجارب والتوجهات إلى السلطة التشريعية. إذ ارتبطت مشاركة المرأة في السياسة غالباً بنتائج إيجابية على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعندما تشارك المرأة في صنع القرار، تميل المجتمعات إلى إنجاز تحسينات في التعليم والصحة ونوعية الحياة بشكل عام.