النضال نحو مشاركة فعّالة في البرلمان... ماذا أنجزت المرأة العربية؟

تُظهر متابعة السياسة العالميّة ومن يقف وراءها من قادة وأصحاب قرار، أنها غالباً ما تقتصر على الرجال، مع مشاركة خجولة لبعض القادة النساء في بعض الدول مثل نيوزيلندا وألمانيا وغيرهما من دول قادت نساؤها الحكومات. قد تكون المرأة نصف المجتمع، لكنها حكماً ليست نصف البرلمان. على الرغم من كل التقدّم الذي تحقّق في مجال حقوق المرأة، لا تزال النساء يواجهن تحديات كبيرةً في الوصول إلى البرلمان أينما كنَّ في هذا العالم، ولم تتجاوز نسبة تمثيل المرأة في برلمانات كل الدول مجتمعةً الـ26.5% في سنة 2023.

نضال الحركات النسائية من أجل تحقيق المساواة ونيل الحقوق، لا سيما حقّ المرأة في التصويت والترشح للانتخابات، أينعت ثماره في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حين بدأت بعض الدول بمنح المرأة حقوقها السياسية. عام 1893، أصبحت نيوزيلندا أول بلد يمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات البرلمانية. وفي العام 1918، منحت بريطانيا هذا الحق للنساء اللواتي تجاوزن الـ30 عاماً، ثم خفّضت سنّ التصويت إلى الـ21 عاماً في سنة 1928. التقدّم الكبير في وصول المرأة إلى البرلمان حول العالم حصل في القرنين العشرين والواحد والعشرين. ساهم في ذلك اتخاذ العديد من الدول إجراءات قانونيةً لضمان التمثيل السياسي للمرأة، فضلاً عن تبنّي سياسات تشجيعية لزيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية بفضل نشاط ومطالب الحركات النسائية ودعم منظمات المجتمع المدني.

لكن، بطبيعة الحال، لم يزدد تمثيل المرأة في البرلمانات بشكل متساوٍ بين الدول نتيجةً للمعوقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي حدّت من مشاركة النساء في الحياة السياسية في عدد منها. تشير دراسة أجراها الاتحاد البرلماني الدولي حول العنف ضد البرلمانيات، إلى أن وسائل الإعلام تتعمّد في بعض الأحيان "ترويج وترسيخ الشائعات والسلوك الكاره للمرأة". كشفت الدراسة أن 27.3% من البرلمانيات المشاركات واجهن تحدّيات مع وسائل الإعلام التقليدية التي قد تنشر صوراً أو تعليقات محتقرةً أو مشحونةً جنسياً حولهنّ، وارتفعت النسبة إلى 41.8% عندما سُئلن عن الصور أو التعليقات المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

أمّا في العالم العربي، فتحدد منظّمة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) في تقرير لها، المعوقات التي تحول دون مشاركة المرأة في العمل السياسي، في خمسة عوائق أساسيّة هي: العائق الثقافي الاجتماعي، الاقتصادي، المؤسساتي، النفسي والأيديولوجي. تشير هذه الدراسة إلى أنّ النسبة المتدنّية في تمثيل المرأة في البرلمانات العربيّة ترجع إلى أسباب متعلّقة بالبيئة المحيطة غير المشجّعة، وتوصي المنظّمة بتطبيق توصيات قانونية مثل تشريع الكوتا النسائيّة في التمثيل البرلماني، بالإضافة إلى توصيات اجتماعية واقتصاديّة طويلة الأمد، تخلق ثقافةً عامّةً مشجّعةً على دخول المرأة المعترك السياسي.

وعلى الرغم من أن تطبيق الكوتا ساهم في توسيع مشاركة المرأة وحضورها في البرلمانات، إلا أنها اصطدمت بالقيود الاجتماعية والثقافية في بعض المجتمعات العربية، ما خفف من تأثيرها في تغيير المشهد السياسي في الدول العربية. لذا، في سنة 2023، تراوحت نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات حول العالم بين 0% و61%. من أصل 194 بلداً، وصل التمثيل النسائي في البرلمان إلى النصف أو أكثر في ستة بلدان فقط (رواندا وكوبا وأندورا والنرويج والمكسيك والإمارات)، في حين بقي التمثيل النسائي في البرلمان معدوماً في بعض البلدان مثل اليمن.

بدايات تمثيل المرأة في البرلمانات

في غالبية دول العالم، لم تنَل المرأة حقّها في التصويت وفي الترشّح في الانتخابات البرلمانية في الوقت نفسه، بل فصل بينهما فارق زمني كبير. فوق ذلك، وفي العديد من الدول، كان هناك أيضاً فارق زمني بين نيل المرأة الحق في الترشّح في الانتخابات وبين دخولها البرلمان. على سبيل المثال، استغرق الوقت بين نيل المرأة الحق في الترشح في الانتخابات وبين وصولها إلى البرلمان 48 سنةً في ليبيا، و39 سنةً في لبنان، و30 سنةً في المغرب. أما في مصر فكان الفارق سنةً واحدةً فقط.

في سنة 1907، شهدت فنلندا تاريخاً مميزاً حينما أصبحت أول دولة في العالم تحقّق المرأة فيها تمثيلاً سياسياً داخل البرلمان، ثم تبعتها النرويج في سنة 1911. أما في الدول العربية، فدخلت المرأة برلماناتها مع نهاية الخمسينيات.

ويشير الجدول أدناه إلى أن مصر كانت أول بلد عربي تحصل المرأة فيه على تمثيل في البرلمان سنة 1957، تلتها تونس (1959)، والجزائر (1962)، ولبنان (1963)، والسودان (1964).

الدول التي تتميز بالمشاركة الأعلى للمرأة في السلطة التشريعية

بحسب الإحصاءات التي نشرها الاتحاد البرلماني الدولي عن 194 بلداً لعام 2023، يظهر الرسم البياني أدناه البلدان الـ11 الأولى التي حقّقت أكبر تمثيل للمرأة في برلماناتها الوطنية.

تحتل رواندا المركز الأول، إذ تشغل النساء نسبة 61.3% من مقاعد مجلس النواب فيها (49 مقعداً من أصل 80). كوبا في المركز الثاني بنسبة 55.7% في الهيئة التشريعية (262 مقعداً من أصل 470)، تليها نيكاراغوا بنسبة 51.7% (47 مقعداً من أصل 51). المركز الرابع تقاسمته ثلاثة بلدان حيث شغلت النساء 50% من المقاعد في كل من المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات العربية المتحدة، ومجلس النواب في المكسيك، والهيئة التشريعية في أندورا. في المركز السابع حلّت أيسلندا بنسبة 47.6%، وكوستاريكا في المركز الثامن بنسبة 47.4%، والسويد في المركز التاسع بنسبة 46.4%. أما بوليفيا والنرويج فتقاسمتا المركز العاشر بنسبة 46.2%.

ويتبيّن من قائمة البلدان الأحد عشر الأولى في تمثيل المرأة في البرلمان، أن خمسةً منها تقع في قارة أمريكا، وأربعةً منها في قارة أوروبا، وبلداً واحداً في قارة إفريقيا، وآخر في قارة آسيا هو الإمارات العربية المتحدّة، البلد العربي الوحيد الذي اخترق القائمة.

المرأة العربية ونسب تمثيلها في البرلمانات العربية

بناءً على الإحصاءات التي نشرها الاتحاد البرلماني الدولي لعام 2023، تبرز الإمارات العربية المتحدّة كقوة رائدة في تمثيل النساء في البرلمان، إذ تحتل المرتبة الأولى عربياً والرابعة عالمياً بنسبة 50% من النساء في المجلس الوطني لتتفوّق على دول أوروبا في هذه النسبة، بعد فرض قرار يقضي برفع هذه النسبة من قبل القيادة الإماراتيّة، في حين توصي هيومن رايتس ووتش الإمارات بتحسين وضع المرأة الحقوقي فيها. يحلّ السودان في المرتبة الثانية عربياً بنسبة 30.04%، والـ65 عالمياً، يليه العراق في المرتبة الثالثة عربياً بنسبة 29.1% والـ69 عالمياً.
اللافت للانتباه أن الإمارات تفوقت في تمثيل المرأة سياسياً على العديد من الدول التي عُرفت بتجذر الديموقراطية والمساواة في حياتها السياسية. مثالاً على ذلك، حلّت فرنسا في المرتبة الـ35 بنسبة 37.8%، وإنكلترا في المرتبة الـ47 بنسبة 34.6%. والمثير للاهتمام أيضاً أن السودان والعراق تفوّقا على الولايات المتحدة الأمريكية التي حلّت في المرتبة الـ71 عالمياً، إذ بلغت نسبة تمثيل المرأة في الكونغرس الأمريكي 29%.

على الجانب الآخر، ما زالت مشاركة المرأة في البرلمان متدنيّةً في العديد من الدول العربية، مثل لبنان وقطر والكويت. ففي سنة 2023، بلغت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان في لبنان 6.3%، 4.40% في قطر، 3.10% في الكويت، 2.3% في عمان. أما في اليمن، فما زالت أبواب البرلمان موصودةً في وجه النساء ولا تمثيل لهنّ داخله.

برغم سلبية تدنّي نسبة تمثيل المرأة في السلطة التشريعية في الدول العربية، إلا أن بعض الإيجابية تكمن في الزيادة الملحوظة في هذه النسبة بأكثر من أربعة أضعاف. فقد ارتفعت من 3.8% في عام 2000 -وقد كانت النسبة الأدنى في العالم آنذاك- إلى 17.7% في نهاية عام 2023.

أبعد من النسب التمثيليّة... فاعلية دور المرأة في الحياة السياسية

بالنسبة إلى رئاسة البرلمان، كسرت المرأة احتكار الرجل لهذا المنصب في 122 دولةً من أصل 194. النمسا كانت أول بلد تجلس فيه المرأة على كرسي رئاسة البرلمان سنة 1927، تبعتها الدانمارك سنة 1950، ثم هنغاريا وأوروغواي سنة 1963.
أما في الدول العربية، حيث النساء ما زلن يواجهن التحديات في دخول الحياة السياسية وتولّي المناصب القيادية، فترأست المرأة المجالس التشريعية في 3 دول فقط من أصل 22 في العقد الأخير. النساء الثلاثة هنّ: أمل عبد الله القبيسي في الإمارات العربية المتحدة سنة 2015، هدية عباس في سوريا سنة 2016، ثم فوزية زينل في البحرين سنة 2018.

في نهاية المطاف، مطلب وصول المرأة إلى البرلمان لا ينطلق حصراً من قضية المساواة والعدالة والشمول في التمثيل السياسي، بل أيضاً مما ينتجه التنوّع في التجارب والتوجهات إلى السلطة التشريعية. إذ ارتبطت مشاركة المرأة في السياسة غالباً بنتائج إيجابية على صعيد التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وعندما تشارك المرأة في صنع القرار، تميل المجتمعات إلى إنجاز تحسينات في التعليم والصحة ونوعية الحياة بشكل عام.

Previous
Previous

مواسم الهجرة من لبنان... العامل الاقتصادي يفوق الأمني بأضعاف

Next
Next

موسم مسلسلات رمضان... كيف تحوّل إلى سوق إنتاج كبير للمنصات الرقمية؟