هل تتعمّد وزارة التربية اللبنانية نشر الأمّية المقنّعة في التعليم الرسمي؟
1- اعتماد سياسة "القصّ"، من خلال إلغاء ما يقارب نصف المناهج الدراسية دون التفكير في تداعياتها السلبية على المتعلّمين في المراحل التعليمية الأعلى.
2- تسهيل النجاح من خلال امتحانات شكلية في المدارس أو حتى الثانوية العامة، وترفيع التلامذة من عام دراسي إلى آخر من دون تحصيلهم الكفايات المطلوبة كاملةً، والتي يُفترض تحقّقها للقيام بعملية الترفيع.
3- إلغاء امتحانات المرحلة المتوسطة وترفيع جميع التلامذة إلى المرحلة الثانوية، مرّةً بحجة الخوف من انتشار فيروس كورونا، ومرّةً بحجة عدم قدرة القوى الأمنية على مواكبة الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة.
4- تعطيل العمل بنظام "التقييم والدعم" المُقرّ في المناهج التربوية الحديثة، والذي يقوم على مبدأ تقييم مستوى التلميذ وقياس مدى تحقّق الكفايات التعليمية المطلوبة في كل سنة دراسية، وفي حال عدم تحققها، على الإدارة التربوية والمعلّمين العمل على تقديم الدعم قبل انتهاء العام الدراسي والتأكد من تعويض النقص الموجود من أجل تحقّق الكفايات التعليمية المطلوبة في كل سنة دراسية.
وعليه، تبدو الصورة قاتمةً مع تراجع مستوى التعليم في لبنان عموماً، والتعليم الرسمي خصوصاً، فالأمر سيزيد من عملية تهميش فئات كبيرة من الشباب في المجتمع اللبناني، لا سيما الأكثر فقراً منهم.
الإضرابات وتقليص ساعات التدريس
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد أيام التدريس قبل العام 2016، كان 180 يوماً تدريسياً فعلياً لتمكين التلامذة من الكفايات المطلوبة في المنهج الدراسي السنوي. ثم في العام 2016، تم إجراء تعديل على المناهج، وقُلّص عدد أيام التدريس الفعلية إلى 140 يوماً.
ثم خلال إضرابات المعلّمين في العامين الدراسيّين (من أيلول/ سبتمبر 2021، وحتى حزيران/ يونيو 2023)، لم تستطع غالبية المدارس الرسمية تحقيق نصف الأيام الدراسية المطلوبة، فصدر قرار عن وزارة التربية قضى بتقليص عدد أيام التدريس إلى 112 يوماً في العام الدراسي 2022/ 2023، علماً بأن غالبية المدارس الرسمية لم تستطع الوصول إلى هذا الهدف.
ويشير التدقيق في الأمر إلى أن عدد الأيام الفعلية التي حُقّقت في العدد الأكبر من مدارس التعليم الرسمي الصباحي، تراوح بين 60 و70 يوم تدريس فعلي كحد أقصى، أما في مرحلة بعد الظهر والتي تضم حصراً التلامذة السوريين، فقد وصل إلى ما يقارب 70 يوم تدريس، بسبب إصرار اليونيسف على تمديد العام الدراسي حتى منتصف تموز/ يوليو 2023.
التعليم من بُعد خلال جائحة كورونا
ورصدت الدراسة ثلاثة عوامل أثّرت على نوعية التعليم؛ أولها بدء المدرسة ببرنامج التعليم من بُعد، وثانيها توافر وسيلة الاتصال، وثالثها توافر الإنترنت والكهرباء.
عدد أيام التدريس في الأسبوع
في التحدّي الثاني، المتمثّل في مدى توافر وسائل الاتصال الملائمة لاستخدامها في عملية التعلم من بُعد، يتبيّن أن 38% من التلامذة اللبنانيين، و88% من التلامذة السوريين، لا يملكون جهاز كومبيوتر. كما أن 61% من التلامذة اللبنانيين، و81% من التلامذة السوريين، لا يملكون جهاز آيباد. وهذه النسب قد تلامس 100% في المدارس الرسمية في الدوام الصباحي ودوام بعد الظهر، ما يعني أن غالبية التلامذة اللبنانيين والسوريين قد تابعت الدراسة من خلال الهاتف الذكي غير الملائم لعملية التعلم من بُعد.
أما التحدي الأخير، فمرتبط بالبيئة المواتية للتعلّم، والتي من المفترض أن توفر للمعلّم والتلميذ بيئةً خاليةً من عوامل التشويش كي يتمكّنا من الانخراط في التركيز والتواصل والتفاعل مع مضمون المادة التعليمية. هذه البيئة لم تكن متوافرةً خصوصاً في المساكن المكتظة والصغيرة التي تضمّ غالبية التلامذة في التعليم الرسمي، وترتفع أكثر لدى الأسر السورية التي تقطن في المخيمات.
ماذا يعني هذا؟
تُظهر المعطيات والمتابعة لمسار عملية التعليم في لبنان منذ العام الدراسي 2019/ 2020، أن مجموعةً من العناصر قد أثّرت سلباً على كمية المعلومات ونوعيتها، التي تحصّل عليها التلامذة في لبنان. فمن الناحية الكمية، يتبين أن أيام التدريس الفعلية قد تراوحت نسبتها بين 50 و60% من الأيام المقرّرة حسب التعديل الأخير في المناهج عام 2016. أما من الناحية النوعية، فإن اعتماد التعليم من بُعد وما رافقه من تحدّيات أثّرا على نوعية الكفايات المحققة لدى التلامذة عامة وكميتها، وتلامذة المدارس الرسمية في دوامَي قبل الظهر وبعده على وجه خاص.
أما الذين سيتابعون تعليمهم، فسوف ينقسمون إلى قسمين؛ الأول يتشكل من أبناء الأسر المتوسطة والفقيرة، وسيعانون من النقص المتراكم وسيؤثر ذلك سلباً على مسارهم التعليمي والمهني في المستقبل، والثاني يتشكل من أبناء الأسر الميسورة الذين سيسعون إلى تعويض النقص عبر دروس خصوصية مكلفة مادياً، ستساعدهم في تطوير مسارهم التعليمي والمهني.
يشير تقرير البنك الدولي إلى أن فقر التعليم في لبنان قد لامس نسبة 60% قبل جائحة كورونا. ومع فشل التعليم من بُعد خلال الجائحة، وتراجع أيام التدريس الفعلية خلال العامَين 2022 و2023 إلى ما يزيد عن النصف، فإن مؤشرات فقر التعليم قد لامست نسباً خطيرةً، ربما تزيد عن 70 و80%.
في الخلاصة، فإن المردود العلمي للسنوات الدراسية الأربعة الماضية، في أحسن الحالات لا يمكن احتسابه بأكثر من عام دراسي ونصف، الأمر الذي يشير إلى أن التلامذة قد فقدوا ما يوازي عامَين دراسيين ونصف عام من إعدادهم العلمي؛ فمن المسؤول عن تعويض هذه الخسارة؟ وما هو أثرها على جيل من التلامذة تأثّر بهذه الأزمات؟ وما هي الإجراءات التي ستقوم بها وزارة التربية لعدم تكرار الأمر نفسه خلال العام الدراسي 2023/ 2024؟ وهل لديها خطة لإنقاذ جيل من الشباب اللبناني من براثن الأمية المقنّعة، أم أنها تتقصّد القضاء على ما تبقّى من التعليم الرسمي؟
إلى اليوم لا يبدو أن هناك خطةً ولا سعياً من أجل خطة.