هل تعلم؟... 67% من الأطفال السوريين في لبنان خارج عملية التعليم

في إطار خطة الاستجابة للأزمة السورية (LCRP)، أنشأت اليونيسف بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم العالي، برنامج التعليم الشامل الذي يتضمن توفير التعليم للتلامذة السوريين في 342 مدرسةً رسميةً تتوزع على مختلف الأراضي اللبنانية.
وعليه، كانت اليونيسيف تدفع لوزارة التربية اللبنانية خلال السنوات الدراسية السابقة، عن كل تلميذ سوري، 600 دولار أمريكي سنوياً، إن كان مسجّلاً في دوام بعد الظهر، أو 363 دولاراً إن كان مسجّلاً في الدوام الصباحي. وكانت تُصرف هذه المبالغ مباشرةً على التكاليف التشغيلية من دون احتساب رواتب الأساتذة، وكلفة المباني المدرسية وصيانتها، واستخدام التجهيزات والمفروشات.

إلا أنه في العام الدراسي 2022/ 2023، تراجعت مساهمة اليونيسيف بنسبة تصل إلى 76.6%، حيث باتت تدفع 140 دولاراً عن كل تلميذ سوري في التعليم الرسمي قبل الظهر وبعده، إلى جانب دفع مبلغ وقدره 18 دولاراً عن كل تلميذ لبناني في التعليم الرسمي، بعد أن كان 160 دولاراً، أي بتراجع يصل إلى 89%.

وللطلاب اللبنانيين حصتهم

لم تقتصر خطة الاستجابة في قطاع التعليم على الأطفال السوريين فحسب، بل شملت أيضاً الفئات المهمّشة والأكثر فقراً بين اللبنانيين، والنازحين الفلسطينيين من سوريا، واللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتضمنت المساعدات المقدّمة إلى المدارس الرسمية، الدعم المالي لصناديق المدارس والتغطية لرسوم تسجيل التلامذة في الدوام الصباحي. ففي العام الدراسي 2018/ 2019، تمت مساعدة 68% من إجمالي التلامذة وارتفعت النسبة إلى 88% في العام الدراسي 2021/ 2022.

أرقام تشي بضعف خطة الاستجابة

بالعودة إلى خطة الاستجابة واستقطاب التلامذة السوريين، في ما يلي بعض الأرقام التي لا تدعو إلى التفاؤل في مراحل التعليم الثلاث، وهي أرقام سابقة على التخفيض الكبير الذي حصل في التمويل خلال العام الدراسي الحالي، والذي سيؤثر بشكل كبير على التلامذة السوريين، في المستقبل.

في مرحلة الحضانة (3-5 سنوات)، تُظهر نسب الالتحاق بالتعليم انخفاضاً ملحوظاً في السنوات الثلاث الأخيرة؛ 16% في 2020، 11% في 2021، وصولاً إلى 7% في 2022. وقد يكون الاعتقاد بأنه من الأفضل بقاء الطفل مع أهله في هذا العمر، هو أحد الأسباب، أو الخوف من جائحة كورونا... لكن في المحصّلة، النتيجة واحدة.

في مرحلة التعليم الأساسي (6-14 سنةً)، سُجّلت نسبة الالتحاق الأعلى في عام 2019 (69%)، والأدنى في 2021 (52%)، ربما بسبب الخوف من جائحة كورونا، ثم ارتفعت في 2022 إلى 61%. لكن في المقابل، هناك نسبة 39% من هذه الشريحة العمرية خارج عملية التعليم، والبعض منهم لم يلتحق نهائياً بالتعليم، وغالبيتهم ملتحقون بسوق العمل خلافاً لقانون العمل في لبنان.

في مرحلة التعليم الثانوي (15-17 سنةً)، يظهر تحسّن طفيف في نسبة الالتحاق في 2022 (28%)، مقارنةً مع 2021 (27%)، وتحسّن مقبول مقارنةً بنسبة الالتحاق في سنة 2019 (22%).

في لبنان، يصل عدد الأطفال السوريين (3-17 سنةً) إلى 705،000 طفل، أما الذين تم استقطابهم والتحقوا بالتعليم فلا يتجاوز عددهم 232،625 تلميذاً فقط، أي أن خطة الاستجابة لم تنجح سوى في استقطاب 33% من الأطفال ولا يزال 67% منهم خارج عملية التعليم، البعض منهم دخل سوق العمل بعد تحصيل مرحلة التعليم الأساسي، والبعض الآخر لم يلتحق أو تسرّب مبكراً، وهو ما يجعله فريسةً للأمية.

ومن الضروري الإشارة إلى أن الأطفال السوريين في لبنان، لا يعانون فقط من ضغط الأزمة الاقتصادية وتداعيات جائحة كورونا، بل يعانون أيضاً من السياسات غير العادلة للدول المانحة ومنظمة اليونسيف التي تقود قطاع التعليم، والتي تتجلى في تراجعها الكبير في التزاماتها المالية بدعم عملية التعليم للتلامذة السوريين واللبنانيين على حدّ سواء، والتي سيكون لها أثر كبير على مستقبل العام الدراسي 2023-2024.

تحدّيات التلامذة السوريين كثيرة

الواقع الاقتصادي والاجتماعي للنازحين السوريين يفيض بالعوامل التي تزيد من صعوبة التحاق التلامذة بالمدارس، فاستناداً إلى دراسة "تقييم الضعف للنازحين السوريين في لبنان" (Vasyr)، هناك ستة أسباب رئيسية تساهم في عدم التحاق من هم في سنّ الدراسة بالمدرسة، وتختلف هذه الأسباب بين السنوات الدراسية والمراحل العمرية-التعليمية، إلا أن الثابت في العامين 2021 و2022، أن السبب الأول والثاني يتمثلان في عدم قدرة الأسر على تحمل تكلفة التعليم أو النقل التي ارتفعت في العامين المشار إليهما، وتراوحت النسب بين 7% و33%.
ويتمثل السبب الثالث في الصعوبات التي تواجه التلامذة السوريين في القدرة على متابعة المنهج التعليمي اللبناني، والتي تتولّد منها صعوبات تعلّمية، إذ تراوحت النسب بين 9% و28%. أما السبب الرابع والذي كان مرتبطاً بظروف خارجة عن إرادة الأهل، فتمثّل في الخوف من التقاط عدوى كوفيد-19 بنسبة تراوحت بين 10 و28%، في حين أن السبب الخامس تجلّى في الاضطرار إلى الالتحاق بالعمل بنسبة تراوحت بين 7% و21%، والسبب الأخير تمثل في الزواج بنسبة تراوحت بين 7% و10%.
التلامذة السوريون حالهم من حال التلامذة اللبنانيين، من ناحية جودة التعليم في المدارس الرسمية، وهو موضوع تحتاج الإضاءة عليه إلى مقال مستقل.

لكن، ما تجدر الإشارة إليها هنا، هي التحدّيات المضاعفة التي واجهها التلامذة السوريون خلال فترة التعلّم عن بعد، والمتعلّقة تحديداً بالجانب التقني المرتبط بتوفر الكهرباء والأجهزة والإنترنت، وتأثيرها السلبي والكبير على معارفهم المحقّقة في تلك الفترة.

كذلك، واجهت غالبية التلامذة السوريين مشكلة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. كما أن 30% منهم لم يمتلكوا الهاتف الذكي الذي يُعدّ أبسط وسيلة للتعلّم عن بُعد. ومن جهة أخرى، 70% من التلامذة تابعوا تعليمهم عبر الهاتف الذكي وليس عبر كمبيوتر أو لوحة (تابلت)، ومنهم 34% تشاركوا مع آخرين في استخدام الجهاز ذاته.

وإذا كانت عملية التركيز والمتابعة تتطلب التواصل المستمر مع المدرّس، فإن ضعف الإنترنت كان عاملاً سلبياً آخر أثّر على عملية التعلّم، حيث أن نسبة 51% من التلامذة السوريين كانت تتابع دروسها عبر إنترنت ضعيف و22% لم يتوافر لديها الإنترنت للمتابعة.

في المحصلة، أن يكون 67% من أطفال النازحين السوريين خارج عملية التعليم أمر يبعث على القلق، على الحزن، وعلى النقمة. فأي مستقبل ينتظرهم إن كان الحاضر بهذه القسوة؟

Previous
Previous

هل تتعمّد وزارة التربية اللبنانية نشر الأمّية المقنّعة في التعليم الرسمي؟

Next
Next

Trust and Integrity: The Cornerstones of ARA's Research Services