ضحايا الهجرة عبر المتوسط بالآلاف... هذه هي مسارات الموت للباحثين عن النجاة
السياق التاريخي والوضع الحالي
في محاولةٍ لفهم الأرقام وتغيّراتها بحسب السنوات، فقد بلغ عدد الواصلين إلى أوروبا عبر المتوسّط، خلال العام 2014 وحده، 220 ألفاً، أي ما يقارب ضعف العدد الإجمالي للواصلين بين عامي 2011 و2013، والذي بلغ 121 ألفاً. وخلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2015، بلغ العدد 137 ألفاً، مقارنةً بـ75 ألفاً خلال النصف الأول من 2014. هذه الأرقام ما هي إلّا مرآة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول العربيّة والإفريقية خلال تلك الأعوام. في سوريا مثلاً، يمثّل العامان 2014 و2015 ذروة الحرب فيها، وذروة تغوّل نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حربه على جزء من شعبه، بالإضافة إلى سيطرة داعش على مساحات شاسعة في سوريا والعراق، بالإضافة إلى التغييرات السياسية الكبيرة في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، لا سيّما الأحداث في مصر حيث أطيح بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والانقسام الحكومي في ليبيا، وبلورة الحكم الجديد في تونس، وغيرها من التحدّيات على صعيد المنطقة والتي تُعدّ دوافع للهجرة.
في محاولة لفهم المسارات التي يأخذها المهاجرون للوصول إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، تقسم المنظمة الدولية للهجرة مسارات الهجرة غير النظامية إلى ثلاث مسارات رئيسيّة:
المسار الشرقي... تركيا كنقطة انطلاق
المسار المركزي... طريق الموت
المسار المتوسط المركزي هو أيضاً الطريق الذي شهد أكبر عدد من حالات الاختفاء، برغم أنه من المرجح أن وفيات كثيرةً لم يتم تسجيلها. وتشير بيانات "مشروع المهاجرين المفقودين" منذ عام 2014، إلى أن رفاة أكثر من 12،000 شخص قد فُقدت في البحر على هذا المسار. أمّا في العام 2023 وحده، فتمّ تسجيل أكثر من 114،300 محاولة هجرة في الأشهر الثمانية الأولى، وهو الرقم الأعلى منذ العام 2016 وما رافقه من أزمة على المسلك الشرقي. وفي تموز/ يوليو من العام 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي بحضور رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، مذكرة تفاهم لإرساء "شراكة إستراتيجية شاملة" مع تونس بهدف تقليص عدد المهاجرين الوافدين من هذا البلد، مقابل توفير مساعدات تبلغ مئات الملايين من اليورو. بحسب تقرير أعدّه مركز كارنيغي عن المسار المركزي، "قد تستمرّ دول العبور في غضّ الطرف عن الهجرة غير النظامية إذا كانت تساعدها في تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو جيو-سياسية يصعب بلوغها بوسائل أخرى". ولعلّ هذه الإستراتيجية هي التي تعتمدها دول مثل تونس وليبيا في سياسة التعامل مع المهاجرين.
المسلك الغربي... مضيق جبل طارق
يقف المهاجرون على الشاطئ، ويحدّقون: البحر من أمامهم، والفقر والحرب من ورائهم، ولهم أن يختاروا: وحده الموت يحيط بهم من كل الجهات. كيف سيتعامل العالم مع موجات الهجرة المتزايدة سنةً بعد سنة؟
تبقى الأرقام هي الأوضح في موضوع الهجرة غير النظامية، والأرقام توضح أن الظروف القاهرة في دول عالم الجنوب تدفع بمواطنيها نحو البحر، في حين تدفعهم أوروبا في الاتجاه المعاكس.