كسَر الملل أم التابوهات؟... لماذا تفوّق البودكاست العربي على الإعلام التقليدي؟
عربياً، يقارب عدد برامج البودكاست الـ2،300 برنامج، أكثريتها تتناول المواضيع الاجتماعيّة والحواريّة (403)، يليها تلك التي تتناول مواضيع التعليم والثقافة (381)، بحسب إحصائيات التصنيفات.
انتشار البودكاست على المستويين العالمي والعربي
وعلى الرغم من أنّ الفكرة آنذاك لم تكن بهذا الانتشار الذي نشهده اليوم، إلّا أن ستيف جوبز أعلن وقتها أن عدد البرامج على البودكاست بلغ 8،000 برنامج، و"هذا الرقم ينمو بشكلٍ سريعٍ جدّاً" على حدّ تعبيره. اليوم، وبعد نحو عشرين سنةً على إطلاق جوبز هذه المنصّة، بلغ عدد برامج البودكاست 4.2 مليون برنامج في العالم كلّه، بينما بلغ عدد برنامج البودكاست باللغة العربية 16،439، وأكثر من 65 ألف حلقة بودكاست باللغة العربية.
بحسب الأرقام، يتبين أن ذروة الاهتمام بالبودكاست في العالم العربي كانت عام 2020، وهي حصاد سنين سابقة من العمل على الترويج للمحتوى المسموع في العالم كلّه. تشير دراسة حديثة نشرتها مكتبة الطب الوطنية في الولايات المتّحدة، إلى أنَّ الاهتمام الكبير وارتفاع شعبيّة البودكاست لأسباب رئيسية عدة تميّز هذا النوع من المحتوى عن ذلك المصوّر، ومنها قرب المستمع من مقدّم المحتوى، وسهولة توفّر المحتوى بحيث يمكن سماعه عند الرغبة، وبالتزامن مع القيام بمهام أخرى كالقيادة أو الطبخ… إلخ.
أثّرت فترة الحجر الصحّي عام 2020 و2021، إيجابياً على نسبة نمو البودكاست، لأن صناعة المحتوى هذا لا تحتاج إلى تقنيّات عالية وإنتاج خاص، بل على العكس. قام العديد من صانعي المحتوى خلال فترة الحجر بإنتاج ونشر حلقات بودكاست من منازلهم، والترويج لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.
أمّا عن التوقّعات المستقبليّة بالنسبة لمستمعي البودكاست، "فإنّ السنوات القليلــة القادمة ستشهد ارتفاعاً ملحوظــاً فــي أعدادهم في العالم العربي، وتحديداً في دول الخليج العربي"، وتجدر الإشارة إلى الإمارات والبحرين تأتيان في المقدمة من حيث عدد ساعات الاستماع إلى البودكاست على منصة سبوتيفاي.
غالبية المستمعين العرب من فئة الشباب
وبحسب الاستفتاء الذي قامت به منظمة البودكاست العربي، ظهر أنّ أكثر من 82% من مستمعي البودكاست في العالم العربي هم من فئة الشباب (18-34 سنةً)، وأن الذين تراوحت أعمارهم بين 16 و24 سنةً هم الأكثر استماعاً إليه (40%)، في دلالة واضحة على تفضيل هذه الفئة العمرية المحتوى المسموع والمرئي المسموع، على المحتوى المكتوب، سواء أكان مادةً مطبوعةً أو منشورةً على المواقع الإلكترونية، خصوصاً أن البودكاست (ومنه المصوّر والمنشور على منصّات مثل اليوتيوب)، متوافر على جميع الهواتف الذكية وبشكل مجّاني، والاطلاع عليه يستغرق وقتاً وجهداً أقلّ من قراءة المقالات والكتب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نسب القراءة في العالم العربي هي من الأدنى، حيث "يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنوياً، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يومياً، وفق تقرير صادر عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة". كما أنَّ صناعة المحتوى المكتوب، خاصّةً الكتب، تُعدّ متراجعةً في العالم العربي بالمقارنة مع الغرب. فعلى سبيل المثال، ينشر العالم العربي 1،650 كتاباً سنوياً، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنوياً، بحسب موقع العربي.
أمّا جندرياً، وبحسب بيانات منصّة "سبوتيفاي" العالمية، فإن الذكور هم الأكثر استماعاً إلى البودكاست (57%)، بالمقارنة مع النساء (43%)، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويمكن تفسير هذا الفارق على أنّه ترجمة لنسب التعليم والعمل المتفاوتة في العالم العربي الذي ما زال يُعدّ مجتمعاً ذكورياً.
الإعلام التقليدي يلجأ بدوره إلى البودكاست
في هذا السياق، علّق مقدّم وصاحب "بودكاست عراقي"، قائلاً إنّ "فكرة وجود البودكاست أزاحت الحوار الرسمي والمتكلف مع الضيف، وجعلته يتحدث بأريحية، وكأنها جلسة أصدقاء قريبين إلى بعضهم البعض، وهذا ما يجعل الحلقات تمتاز بالحميمية الواضحة مع الضيوف، وأهم ميزة في وجود البودكاست هو أنه محتوى مسموع، فمعظم الشباب يمارسون أعمالهم وهم يستمعون إليه".
يتميّز البودكاست أيضاً باستخدام اللغة العامّية السهلة والواضحة والقريبة إلى ذهن المستمع، حيث كشف التقرير أن 78% من المستمعين يميلون إلى الاستماع إلى البودكاست باللهجات العربية المحلية، أكثر من تلك المقدمة باللغة العربية الفصحى، علماً بأن 80% من المستمعين العرب يفضلون البودكاست باللغة العربية، أكثر من اللغات الأجنبية، بشكل عام.
البودكاست العربي ما زال بحاجة إلى دعم الصورة
50 بودكاست تم إنشاؤها منذ مطلع العام 2024، "وسيكون البودكاست جزءاً من مستقبل الإعلام في العالم العربي، تماماً كما أصبح على المستوى العالمي"، على حدِّ تعبير شديد، التي عبّرت عن تفاؤلها بصناعة البودكاست في السنوات القادمة.
فورة البودكاست في عالمنا العربي -ولو كانت برامجه بحلّتها الحالية لا تنطبق تماماً بعد مع مفهوم البودكاست الحقيقي الذي يستغني كلياً عن الصورة- كسرت احتكار الإعلام التقليدي للبرامج الحوارية وحرّرتها ونقلتها إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي، عسى أن تزيد من ثقافة الاستماع والحوار في العالم العربي.