كسَر الملل أم التابوهات؟... لماذا تفوّق البودكاست العربي على الإعلام التقليدي؟

تعبّر كلمة "بودكاست"، عن البرامج الإذاعيّة حسب الطلب التي يمكن الاستماع إليها في أي وقت. وللبودكاست فئات متنوعة منها الاجتماعية والحوارية والثقافية والترفيهية والرياضية والتحليل السياسي والتجارة والأعمال وغيرها. اليوم، وبحسب موقع "ريفر سايد"، يُعتبر البودكاست شكلاً شائعاً للغاية من أشكال المحتوى الصوتي وقد تطور ليتجاوز كونه برامج إذاعية قابلة للتنزيل. كل بودكاست هو سلسلة يتم إنشاؤها بواسطة مقدم البرنامج ثم يتم نشر الحلقات حلقة بحلقة عبر الإنترنت، حيث يمكن للمشتركين تنزيل كل حلقة والاستماع إليها عند صدورها، أو الاستماع إليها أونلاين.

عربياً، يقارب عدد برامج البودكاست الـ2،300 برنامج، أكثريتها تتناول المواضيع الاجتماعيّة والحواريّة (403)، يليها تلك التي تتناول مواضيع التعليم والثقافة (381)، بحسب إحصائيات التصنيفات.

المصدر: بودكاست عربي

انتشار البودكاست على المستويين العالمي والعربي

ظهرت فكرة البودكاست بشكلها الحالي عام 2005، عندما عرّف عنها المدير العام لشركة "آبل" ستيف جوبز، على أنّها التطبيق الذي يسمح لكل فرد بأن يستمع إلى برامج إذاعيّة تهمّه عبر هاتفه الذكيّ أينما كان، ومتى شاء، من خلال متابعة وحفظ المحتوى المسموع على هاتفه النقّال.

وعلى الرغم من أنّ الفكرة آنذاك لم تكن بهذا الانتشار الذي نشهده اليوم، إلّا أن ستيف جوبز أعلن وقتها أن عدد البرامج على البودكاست بلغ 8،000 برنامج، و"هذا الرقم ينمو بشكلٍ سريعٍ جدّاً" على حدّ تعبيره. اليوم، وبعد نحو عشرين سنةً على إطلاق جوبز هذه المنصّة، بلغ عدد برامج البودكاست 4.2 مليون برنامج في العالم كلّه، بينما بلغ عدد برنامج البودكاست باللغة العربية 16،439، وأكثر من 65 ألف حلقة بودكاست باللغة العربية.

وبحسب موقع البودكاست العربي، بلغت صناعة البودكاست ذروتها عام 2020، أي في الفترة التي كان فيها جميع سكان العالم محجورين في بيوتهم بسبب جائحة كورونا، إذ شهد إطلاق 525 برنامج بودكاست جديداً ناطقاً باللغة العربيّة، أي خمسة أضعاف البرامج الجديدة التي أُطلقت منذ بداية العام 2008.

بحسب الأرقام، يتبين أن ذروة الاهتمام بالبودكاست في العالم العربي كانت عام 2020، وهي حصاد سنين سابقة من العمل على الترويج للمحتوى المسموع في العالم كلّه. تشير دراسة حديثة نشرتها مكتبة الطب الوطنية في الولايات المتّحدة، إلى أنَّ الاهتمام الكبير وارتفاع شعبيّة البودكاست لأسباب رئيسية عدة تميّز هذا النوع من المحتوى عن ذلك المصوّر، ومنها قرب المستمع من مقدّم المحتوى، وسهولة توفّر المحتوى بحيث يمكن سماعه عند الرغبة، وبالتزامن مع القيام بمهام أخرى كالقيادة أو الطبخ… إلخ.

أثّرت فترة الحجر الصحّي عام 2020 و2021، إيجابياً على نسبة نمو البودكاست، لأن صناعة المحتوى هذا لا تحتاج إلى تقنيّات عالية وإنتاج خاص، بل على العكس. قام العديد من صانعي المحتوى خلال فترة الحجر بإنتاج ونشر حلقات بودكاست من منازلهم، والترويج لها عبر صفحات التواصل الاجتماعي.

المصدر: بودكاست عربي

تراجعت نسبة الاستماع إلى البودكاست في عام 2022، بسبب عوامل مختلفة مثل إرهاق الجائحة، تشبّع المحتوى، والمنافسة من قبل أشكال الترفيه الأخرى. ومع ذلك، في عام 2023، تعافت نسبة الاستماع مع تكيّف المبدعين مع المحتوى الخاص بهم، وظهور منصات جديدة، وسعي الجماهير إلى البودكاستات المتنوعة والجذابة للترفيه والمعلومات. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الجدول لا يشمل العام 2024، لأنّ الدراسة تم نشرها في مطلعه.

أمّا عن التوقّعات المستقبليّة بالنسبة لمستمعي البودكاست، "فإنّ السنوات القليلــة القادمة ستشهد ارتفاعاً ملحوظــاً فــي أعدادهم في العالم العربي، وتحديداً في دول الخليج العربي"، وتجدر الإشارة إلى الإمارات والبحرين تأتيان في المقدمة من حيث عدد ساعات الاستماع إلى البودكاست على منصة سبوتيفاي.

CNN/Spotify :المصدر

غالبية المستمعين العرب من فئة الشباب

شهدت الآونة الأخيرة، خاصّةً في السنوات العشر الأخيرة، تطوّراً كبيراً في عالم التكنولوجيا والمعلومات، ما جعل الوصول إلى المعلومة متوفّراً بسهولة وسرعة كبيرتين. لذا، يلجأ الشباب العربي إلى السبل الحديثة في الوصول إلى المعلومات ومنها المقاطع القصيرة وفيديوهات اليوتيوب وأيضاً البودكاست.

وبحسب الاستفتاء الذي قامت به منظمة البودكاست العربي، ظهر أنّ أكثر من 82% من مستمعي البودكاست في العالم العربي هم من فئة الشباب (18-34 سنةً)، وأن الذين تراوحت أعمارهم بين 16 و24 سنةً هم الأكثر استماعاً إليه (40%)، في دلالة واضحة على تفضيل هذه الفئة العمرية المحتوى المسموع والمرئي المسموع، على المحتوى المكتوب، سواء أكان مادةً مطبوعةً أو منشورةً على المواقع الإلكترونية، خصوصاً أن البودكاست (ومنه المصوّر والمنشور على منصّات مثل اليوتيوب)، متوافر على جميع الهواتف الذكية وبشكل مجّاني، والاطلاع عليه يستغرق وقتاً وجهداً أقلّ من قراءة المقالات والكتب.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ نسب القراءة في العالم العربي هي من الأدنى، حيث "يقرأ الطفل العربي 7 دقائق سنوياً، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يومياً، وفق تقرير صادر عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة". كما أنَّ صناعة المحتوى المكتوب، خاصّةً الكتب، تُعدّ متراجعةً في العالم العربي بالمقارنة مع الغرب. فعلى سبيل المثال، ينشر العالم العربي 1،650 كتاباً سنوياً، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنوياً، بحسب موقع العربي.

أمّا جندرياً، وبحسب بيانات منصّة "سبوتيفاي" العالمية، فإن الذكور هم الأكثر استماعاً إلى البودكاست (57%)، بالمقارنة مع النساء (43%)، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويمكن تفسير هذا الفارق على أنّه ترجمة لنسب التعليم والعمل المتفاوتة في العالم العربي الذي ما زال يُعدّ مجتمعاً ذكورياً.

في نتائج الاستفتاء أيضاً، وبحسب المستوى التعليمي لمستمعي البودكاست، تتجاوز نسبة الحاصلين على مؤهل جامعي أو أكثر الـ36% مقارنةً بمن يملكون مؤهل التعليم المدرسي (29%).

المصدر: بودكاست عربي

المصدر: بودكاست عربي

الإعلام التقليدي يلجأ بدوره إلى البودكاست

أنشأت صحف عدة في العالم العربي، بودكاست خاصاً بها، تستضيف فيه ضيوفاً من خلفيات عدّة لمناقشة مواضيع متفرقة. ففي لبنان مثلاً، محطّتان فضائيّتان هما الـMTV وتلفزيون الجديد، أنشأتا حديثاً بودكاست خاصاً بهما. الحال ذاته يتكرر في العراق حيث تعتمد قنوات فضائيّة عدة على البودكاست كأسلوب جديد لتقديم الحوار. أمّا بالنسبة إلى القنوات ذات البث على مستوى العالم العربي، فللبودكاست حصّة خاصّة من كمية المحتوى المنشور ونوعيته. قناة "الجزيرة" على سبيل المثال، تبث قناة بودكاست "أثير" التي تنتج 20 برنامجاً. قناة "سكاي نيوز" العربية تنتج 62 برنامجاً، وقناة "الشرق" 15 برنامج بودكاست جميعها تتناول مواضيع مختلفةً، سياسية وفنّية وتاريخية وحوارية واقتصادية ورياضية وغيرها.

في هذا السياق، علّق مقدّم وصاحب "بودكاست عراقي"، قائلاً إنّ "فكرة وجود البودكاست أزاحت الحوار الرسمي والمتكلف مع الضيف، وجعلته يتحدث بأريحية، وكأنها جلسة أصدقاء قريبين إلى بعضهم البعض، وهذا ما يجعل الحلقات تمتاز بالحميمية الواضحة مع الضيوف، وأهم ميزة في وجود البودكاست هو أنه محتوى مسموع، فمعظم الشباب يمارسون أعمالهم وهم يستمعون إليه".

يتميّز البودكاست أيضاً باستخدام اللغة العامّية السهلة والواضحة والقريبة إلى ذهن المستمع، حيث كشف التقرير أن 78% من المستمعين يميلون إلى الاستماع إلى البودكاست باللهجات العربية المحلية، أكثر من تلك المقدمة باللغة العربية الفصحى، علماً بأن 80% من المستمعين العرب يفضلون البودكاست باللغة العربية، أكثر من اللغات الأجنبية، بشكل عام.

البودكاست العربي ما زال بحاجة إلى دعم الصورة

"لطالما كان الصوت جزءاً من حياتنا"، تقول ريا شديد، مديرة قسم البودكاست في "سبوتيفاي" في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لأخبار العرب. وتضيف: "العالم العربي لديه تاريخ طويل من السرد الشفهي، والبودكاست هو استمرار لذلك".

50 بودكاست تم إنشاؤها منذ مطلع العام 2024، "وسيكون البودكاست جزءاً من مستقبل الإعلام في العالم العربي، تماماً كما أصبح على المستوى العالمي"، على حدِّ تعبير شديد، التي عبّرت عن تفاؤلها بصناعة البودكاست في السنوات القادمة.

فورة البودكاست في عالمنا العربي -ولو كانت برامجه بحلّتها الحالية لا تنطبق تماماً بعد مع مفهوم البودكاست الحقيقي الذي يستغني كلياً عن الصورة- كسرت احتكار الإعلام التقليدي للبرامج الحوارية وحرّرتها ونقلتها إلى عالم وسائل التواصل الاجتماعي، عسى أن تزيد من ثقافة الاستماع والحوار في العالم العربي.


Previous
Previous

        ‫‫‬‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‬‫‫‬‫‬‫‬‫‬ 69 في المئة من الكويتيين... غير مدخّنين

Next
Next

أصوات المغتربين الفرنسيين تعاكس تيار اليمين المتطرف.. بالأرقام