من سوريا إلى اليمن… كيف تستغل الأطراف المتصارعة الأطفال وقوداً لحروبها؟

الحروب في دول "العالم الثالث" تكاد لا تُحصى على مدار السنوات، بسبب كثرتها، وللعالم العربي حصّة كبيرة فيها. كل ما في الحروب مأساوي: الدمار والخراب والموت والتراجع الاقتصادي وهدم البنى التحتيّة… إلخ. ولكن أخطر ما فيها وأشدّه مأساويةً، تجنيد الأطفال واستغلالهم واستخدامهم في المعارك والنزاعات.

فبين العام 2005 والعام 2022، تعرّض أكثر من 105 ألف طفل للتجنيد أو الاستخدام على يد قوات أو جماعات مسلّحة.

ومن أشدّ المشاهد قساوةً على المشاهدين، ما نشره تنظيم داعش عام 2015، وستكون مزعجةً إعادتها إلى أذهان القرّاء اليوم. ففي ذلك العام نشر التنظيم، فيديو يظهر فيه "مكافأة" ستّة أطفال فازوا في مسابقة، بإعدام ستة محتجزين لدى التنظيم من قوات الأمن السورية "المرتدّين"، حسب تعبيرهم.

أعدم الأطفال خمسة محتجزين بالرصاص، والسادس ذبحاً. يُذكر أن تنظيم داعش جنّد عام 2015 أكثر من 1100 طفل لديه، بحسب إحصاءات المرصد السوري لحقوق الإنسان. الحال في سوريا التي تمرّ بحرب معالمها كثيرة التبدّل منذ العام 2011، من الأسوأ في العالم العربي، إلّا أنّها ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من أزمة انخراط الأطفال في الحروب.

الأطفال من ضحايا إلى خزّانات الحروب والنزاعات

تعرّض 8655 طفلاً عام 2023، للتجنيد أو الاستخدام في الحروب والنزاعات في مختلف بلدان العالم بحسب التقرير السنوي لأمين عام الأمم المتّحدة المتعلّق بالأطفال والنزاعات المسلّحة. هذا التقرير السنوي يعرض أبرز الأرقام المستجدّة المتعلّقة بتجنيد الأطفال واستخدامهم في مختلف الدول حيث النزاعات المسلّحة.

وتعرّف الأمم المتّحدة الطفل الجندي أو المستخدَم في النزاعات المسلّحة، بأنّه "أيّ طفل يرتبط بقوة أو بجماعة عسكرية هو أيّ شخص دون سن الثامنة عشرة من العمر ولا يزال أو كان مجنّداً أو مُستخدَماً بواسطة قوة عسكرية أو جماعة عسكرية في أي صفة بما في ذلك على سبيل المثال وليس الحصر الأطفال والغلمان والفتيات الذين يتم استخدامهم محاربين أو طهاة أو حمّالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية".

بناءً على تقرير الأمين العام للأمم المتّحدة، نعرض التطوّرات وأبرز الأرقام المتعلّقة بتجنيد الأطفال واستخدامهم في عدد من الدول العربيّة عام 2022. وتعمل الأمم المتّحدة على جمع الأرقام والتعدّيات في مجال حقوق الطفل في الدول الأكثر عرضةً للحروب والنزاعات المسلّحة.

في العراق

يُعدّ الوضع الأمني في العراق من الأكثر تعقيداً في المنطقة، إذ يشهد حروباً واقتتالات مسلّحةً برزت بعد تأسيس "داعش" وسيطرتها على أراضٍ واسعة في العراق، وخلال مواجهات في إقليم كردستان العراق مع قوات الدفاع الشعبي التابعة لحزب العمال الكردستاني. وبحسب التقرير لعام 2022، تعرّض ما مجموعه 32 طفلاً (18 فتى و14 فتاةً)، منهم من لم يتجاوز سنّ الحادية عشرة، للتجنيد والاستخدام من قبل الجناح العسكري لحزب العمّال الكردستاني، وعددهم 28 طفلاً، وأما الأربعة الآخرون فتمّ استخدامهم من قبل تنظيم داعش. هذه الأرقام تظهر تحسّناً كبيراً بالمقارنة مع الأرقام في فترة سيطرة داعش على مناطق شاسعة في العراق عام 2015. فوفقاً لتقرير صادر عن اللجنة السورية لحقوق الإنسان، نُشر في شهر آب/ أغسطس، فإنّ ما لا يقلّ عن 800 طفل تحت سن الـ18 جُنّدوا من قبل التنظيم.

في سوريا

تدور في سوريا اقتتالات منذ اندلاع الثورة السوريّة عام 2011، وقع ضحيّتها العديد من الأطفال الذين انجرّوا إلى الحرب. بحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأطفال المنخرطين في الصراعات المسلّحة، فقد تم تجنيد واستخدام 1696 طفلاً من قبل مجموعات سورية مسلّحة مختلفة، وكان معظم ذلك من قبل قوات سوريا الديمقراطية. هذه الأرقام تُعدّ أكثر قساوةً، وتعبّر عن واقع يزداد سوءاً في سوريا. فبحسب تقريرٍ سابقٍ لليونيسيف، بعنوان "في الحضيض… معاناة الأطفال في سوريا الأسوأ على الإطلاق"؛ جُنّد أكثر من 850 طفلاً لكي يحاربوا في النزاع الدائر عام 2016، أي أكثر من الضعف مقارنةً مع عام 2015.
في عام 2019، وقّعت قوّات سوريا الديمقراطية (قسد)، خطة عمل مشتركة مع الأمم المتحدة، تتعهّد فيها بالالتزام "بتدابير ملموسة ومحددة زمنياً لإنهاء تجنيد الأطفال ومنع استخدامهم لأغراض عسكرية". يمكن القول إن هذا التعهّد تُرجم بتراجع أعداد الأطفال المجنّدين لدى قوات سوريا الديمقراطية، إلّا أنّها ما زالت غير مطمئنة من ناحية حماية الأطفال من التجنيد والصراعات الدائرة. في هذا الصدد، اتّهم الأمين العام لـ"الأمم المتحدة"، في تقريره السنوي الأخير بشأن الأطفال والنزاعات المسلحة، جميع أطراف النزاع في سوريا بتجنيد الأطفال، حيث أشار التقرير إلى تسجيل 231 حالة تجنيد لقُصّر في 2023، نُسِبت إلى قوّات سوريا الديمقراطية والمجموعات التابعة لها.

ووثّقت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، في تقرير نشرته في تموز/ يوليو 2023، 43 حالة تجنيد لأطفال، وإجبارهم على الخضوع لتدريبات عسكرية على يد حركة الشبيبة الثورية المنضوية تحت لواء "قسد"، في النصف الأول من 2023 فقط.

في اليمن

يُعدّ اليمن من أكثر الدول تجنيداً للأطفال في الوقت الراهن، حيث جنّد الحوثيون آلاف الأطفال منذ بدء النزاع فيه عام 2014. وتحققت "الأمم المتحدة" ممّا لا يقل عن 1،851 حالةً فرديةً لتجنيد الأطفال أو استخدامهم من قبل الحوثيين منذ العام 2010. هذه الأرقام تُعدّ متواضعةً بالنسبة إلى الواقع اليمني، بحيث لا يمكن للأمم المتحدة أن تتأكّد من كل الحالات، فبحسب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" و"منظمة سام للحقوق والحريات"، وهي جزء من منظمات المجتمع المدني اليمني، جنّد الحوثيون أكثر من 10 آلاف طفل بين 2014 و2021. أمّا بالنسبة إلى التقارير الحالية، فتقول هيومن رايتس ووتش، إنّ الحوثيين يستغلّون الحرب الدائرة في غزّة والتعبئة العسكرية وما يصاحبها من فقرٍ وتردٍّ على مختلف الأصعدة، لتجنيد المزيد من الأطفال.

تُعدّ الأرقام غير واضحة في هذا الصدد، إلّا أنّ الحوثيين أعلنوا عن تجنيد أكثر من 70 ألف مقاتل جديد. العديد من الناشطين والخبراء العاملين في قضايا تتعلق بتجنيد الأطفال، أشاروا لـ"هيومن رايتس ووتش"، إلى أن الغالبية العظمى من المجندين تتراوح أعمارهم بين 13 و25 عاماً، بما في ذلك مئات أو آلاف على الأقلّ أعمارهم تقلّ عن 18 عاماً. يُعدّ اليمن بيئةً خصبةً لتجنيد الأطفال واستغلالهم في ظل الفقر المدقع، وحكم القبائل وارتباطها المباشر بالحوثيين، بحيث ينضمّ أطفال العشائر اليمنية إلى الجيش الحوثي بموافقة من أهلهم الذين ورثوا عقلية السلاح، من دون رقابة فعلية على هؤلاء.

في السودان

في السودان، تم تجنيد 68 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 9 و17 عاماً من قبل مجموعات مسلحة مختلفة، منهم اثنان من قبل الجيش السوداني نفسه عام 2022. بدأ النزاع المحتدم أو الحرب الأهلية في الخرطوم، يوم 15 نيسان/ أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع التي أسسها الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي تم عزله إثر احتجاجات واسعة عام 2019. وهذه الحرب الدائرة منذ 2023، دمّرت واقع الأطفال السودانيين.
بات أكثر من مليون طفل منهم خارج مقاعد الدراسة، بعد أن تسببت في إغلاق المدارس والجامعات في 90 في المئة من مناطق البلاد. إنّ الانتهاكات بحق الأطفال السودانيين تضاعفت حيث تم التحقق من أنّ أكثر من 209 من الأطفال (174 فتى و35 فتاةً)، تم تجنيدهم واستخدامهم على أيدي قوات الدعم السريع والقوّات المسلّحة السودانية. في هذا السياق، أشارت سيوبان مولالي، المقررة الخاصة المعنية بمسألة الاتجار بالأشخاص، لا سيما النساء والأطفال، إلى "أن قوات الدعم السريع تستهدف الأطفال غير المصحوبين بذويهم، والأطفال من الأسر الفقيرة في ضواحي الخرطوم، وكذلك في دارفور وغرب كردفان، لتجنيدهم في أدوار قتالية".

في الصومال

وما زال العنف يسود في الصومال مع استمرار القتال بين الطرف الحكومي المتمثل في قوات الحكومة الانتقالية الفدرالية الصومالية، والمعارضة أي الفصائل الإسلامية المسلحة بمختلف أشكالها. وبحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2022، فقد تم تجنيد واستخدام 1094 طفلاً منهم من لا يتجاوز الثامنة من العمر، على يد حركة الشباب الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، بالإضافة إلى القوات الإقليمية. استغلال الأطفال في النزاع الصومالي ليس بجديد، فقد علّق كلّ من الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال في الصراعات المسلحة، راديكا كومارسوامي، والمدير التنفيذي لليونيسف، أنطوني ليك، في تصريح لهما عام 2010، في خضم الأزمة الصومالية، قائلَين: "نحن مصدومان بسبب تجنيد واستخدام الأطفال كجنود في الصومال وازدياد هذه الظاهرة".
وأضافا: "جميع أطراف النزاع متورطة في هذه الممارسة، وفي بعض الأحيان يتم تجنيد أطفال صغار لم يتجاوزوا من العمر تسع سنوات". وفي هذا السياق، تجدر الاشارة إلى أنّ الصومال يعاني من أزمة غذاء وماء أدّت إلى موت 43،000 شخص أكثر من نصفهم أطفال دون سن الخامسة، بحسب منظمة الصحة العالمية. هذا الواقع الصعب يترجم هشاشة المجتمع الذي يعيش في حالة حرب وحرمان منذ أكثر من عشر سنوات تجعل من المجتمع الهشّ، خاصّةً الأطفال، أكثر عرضةً للاستغلال والتجنيد والدخول في الحركات المسلّحة التي تعتمد على التعبئة الدينية والعرقيّة.
بناءً على الأرقام التي تم عرضها مسبقاً، فإنَّ سوريا هي الدولة العربيّة الأكثر استعمالاً وتجنيداً للأطفال، فأكثر من 55% من مجموع الأطفال الذين تم تجنيدهم عام 2022 في العالم العربي، سوريون. أمّا واقع الأطفال في الصومال، فهو أيضاً غير مطمئن، حيث أنّ 36% من الأطفال العرب المجنّدين، صوماليون. أمّا البلاد العربية الأخرى التي تعاني من اقتتالات أو تقوم بتجنيد الأطفال، فقد بلغت نسبتها مجتمعةً 19% من مجموع الأطفال المجنّدين عام 2022.

الجهود الدولية والمحلية لمكافحة تجنيد الأطفال

يُعدّ تجنيد واستخدام الأطفال "أمراً محظوراً بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقاً للمعاهدات والأعراف، كما يتم تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية. وفضلاً عن ذلك، يُعلِن قانون حقوق الإنسان سنّ الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية".

تعمل العديد من المؤسسات الدولية والمنظمات العالمية والمحلية على مكافحة ظاهرة تجنيد الأطفال من خلال العمل على الوصول إلى الأطفال الناجين، وتقديم المساعدات المعنوية والمادية لهم، ومن خلال الضغط سياسياً على جميع الأطراف المتنازعة لتحييد الأطفال.

في الحروب والاقتتالات، يخسر الجميع، ويربح من تقلّ خسارته، أمّا الخاسر الأكبر فهم الأطفال الذين يدفعون حياتهم وبراءتهم وعلمهم ثمناً للحرب، وفي بعض الأحيان يشاركون فيها ويتحوّلون إلى جناة مجنيّ عليهم. الأطفال الذين يولدون في مناطق الحروب التي لم يختاروها، من الأساسي والمهم أن يتم تحييدهم عنها، لكيلا يكونوا وقوداً لحرب الكبار.

Next
Next

ضحايا الهجرة عبر المتوسط بالآلاف... هذه هي مسارات الموت للباحثين عن النجاة