الجنوبيون محاصرون بالفوسفور الأبيض... إسرائيل تتسبب بكارثة بيئية وإنسانية تهدد المستقبل
التأثير على الواقع البيئي والزراعي
وفقاً لهذه الأرقام، تسبب الفوسفور الأبيض في حرق أكثر من 60 ألف شجرة زيتون غالبيتها معمّرة ومنتجة. كما تسبّبت الغارات الجوية الإسرائيلية بافتعال أكثر من 657 حريقاً، وألحقت أضراراً بأكثر من 6،000 دونم (6 كيلومترات مربعة)، من الغابات والأراضي الزراعية.
ما هو الفوسفور الأبيض؟
تعتمد خمسون قريةً حدوديةً جنوبيةً تقريباً بغالبية 70% من سكّانها، على الزراعة كمصدر أساسي للدخل. هؤلاء المزارعون المنقطعون عن أراضيهم منذ نحو 8 أشهر، لم يتمكّنوا بعد من إحصاء الأضرار، وهم حالياً مهجّرون من دون أي بديل لرزقهم الأساسي، إذ لم يتمكّن كثرٌ منهم من قطاف موسم الزيتون خلال الخريف الماضي (أي بداية الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023)، ومن الممكن ألّا يتمكّنوا من قطاف موسم الخريف القادم في ظل الضبابية السائدة التي تسم الأحداث العسكرية والسياسيّة. أضف إلى ذلك أن المزارعين لا يملكون معلومات عن حال أراضيهم، ولم يتمكّنوا من حراثتها لتهيئها للموسم القادم، حالهم حال الدولة ووزاراتها التي لم تتمكّن بعد من إحصاء الأضرار ولم تتحدّث عن أيّ خطط واضحة للتعويض على المزارعين.
يقول سرحان إنّ العديد من أصحاب الزيتون في المنطقة تركوا موسمه هرباً من الحرب، ولم يتمكّنوا حتّى اليوم من الوصول إلى أراضيهم لقطاف موسم 2024. اليوم، بعد مرور أكثر من 8 أشهر على عمليّة "طوفان الأقصى"، يعرف الأهالي أنّ أراضيهم ربما تكون قد تأثّرت بالفوسفور الأبيض، لكنّهم لا يعرفون حجم الضرر ولم يتمكّنوا من زيارتها وحراثتها، في ظل غيابٍ تام للدولة على حدّ تعبير سرحان.
تاريخ الاعتداءات على لبنان
استخدمت إسرائيل قنابل الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية خلال حرب تموز/ يوليو 2006، على جنوب لبنان، أي قبل 17 عاماً، فتضررت الأراضي، كما زرعت فيها الألغام والقنابل العنقودية. وعلى الرغم من أن الدولة قد أقرّت على الورق تعويضات للمزارعين المتضررة أراضيهم حينها، إلّا أنّ كثراً منهم لم يقبضوا بعد هذه التعويضات من الهيئة العليا للإغاثة.
اليوم، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان منذ العام 2019، تُعدّ التعويضات أملاً بعيد المنال، حيث يخشى المزارعون وأصحاب المعاصر وتجّار الخضروات وغيرهم أن يتكبّدوا الخسائر وحيدين.
يعبّر رئيس جمعيّة "جنوبيون خضر" الدكتور هشام يونس عن أنّ "الزيتون هنا يُستهدف كما في الضفة الغربية وغزّة، لأنه مصدر حياة ويمثّل ارتباطاً بالأرض وشكلاً من أشكال التعلق بها، وهذه محاولة للنيل من الرابطة العميقة بين الجنوبي وأرضه، وكسرها. استخدام الفوسفور الأبيض يُعدّ محاولةً لجعل هذه المناطق غير قابلة للعيش وغير مأهولة ومكشوفة أمامه عسكريّاً".
وبات ذلك واضحاً عندما استهدف الجيش الإسرائيلي الأحراج وحرقها ليؤثّر على جودة التربة والهواء في المنطقة والمحيط البيئي المترابط، وتالياً على قدرة المجتمعات المحلية على البقاء، وهذا يقع ضمن سياسة الأرض المحروقة التي لطالما استخدمتها إسرائيل والتي ترقى إلى "الإبادة البيئية"، والتي تطال المجتمعات المحلّية بشكل مباشر عندما يتم استهداف جودة الهواء والتربة وخزانات المياه الجوفية، خاصّةً أننا في فترة تحديات بيئية مثل ندرة المياه وتغيّرات مناخية أخرى.
وعليه، فإن إصرار أصحاب الأرض في الضفّة وغزّة وجنوب لبنان على البقاء في أرضهم، وإعادة زراعتها حتى بعد حرقها، تعبير مباشر وصريح عن التعلّق بالأرض.
يُذكر أن مصدر قنابل الفوسفور، المساعدات العسكرية التي ترسلها الولايات المتّحدة لإسرائيل. والولايات المتحدة هي إلى حد بعيد أكبر مورد للأسلحة إلى إسرائيل، بعد أن ساعدتها في بناء واحد من أكثر الجيوش تطوراً من الناحية التكنولوجية في العالم.