عمالة الأطفال في لبنان... آليات إعادة إنتاج الفقر
وفي دراسات أخرى أُجريت قبل الأزمة الاقتصادية الراهنة، وقامت بها جهات رسمية وغير رسمية، من بينها وزارة العمل اللبنانية، فقد تم تقدير عدد الأطفال العاملين في لبنان في العام 2016، بأكثر من 100 ألف طفل؛ منهم 62 ألف طفل لبناني، و37 ألف طفل سوري و4،500 طفل فلسطيني. وتشير رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل نزهة شليطة، إلى أن الأرقام قد ارتفعت بنسبة تبلغ ما بين 20% و30% بعد الأزمة الاقتصادية.
ارتفاع حالات الاعتداء على الأطفال
عمالة الأطفال وتوفير الغذاء للأسرة
قانون العمل اللبناني وعمالة الأطفال
ضعف الأداء في مواجهة ظاهرة عمالة الأطفال
- النقص في عدد المفتّشين في قسم التفتيش في وزارة العمل، حيث لا يوجد سوى 11 مفتشاً فنياً، وأقل من 20 مفتشاً إدارياً مع مساعدين، ولا يستطيعون تغطية كل القطاعات والمناطق اللبنانية.
- غياب التمويل اللازم لتنفيذ الخطة التي أطلقتها اللجنة الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، وغياب التمويل لا يرتبط فقط بوزارة العمل وحدها وإنما بالوزارات الأخرى المعنية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة العدل والقوى الأمنية.
- إقفال المراكز التي أنشأتها وزارة العمل في البقاع وطرابلس والنبطية والأوزاعي بسبب وقف التمويل من الجهات المانحة والجمعيات الأهليّة والمؤسسات الرعائية.
ولكن هل المشكلة فقط في القدرة المالية والبشرية، أم أنها في مكان آخر؟ يشير تتبع دور وزارة العمل إلى أنه منذ العام 2019 لم تجتمع اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال، لأن "الوزراء السابقين لم يولوا الموضوع أهميةً"، كما تقول رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في الوزارة. ويشير آخر تقرير منشور لوزارة العمل عن إنجازات الوزارة في العام 2018، في مجال مكافحة عمل الأطفال إلى "أنها سهلت التواصل بين منظمة العمل الدولية والوزارات المعنية إلى جانب البلديات واتحاد البلديات، بالإضافة إلى الإشراف على التحضيرات لإطلاق جوقة سُمّيت 'جوقة مكافحة عمل الأطفال' بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل في القصر الجمهوري، في 20 آذار 2018"، في إطار مبادرة "الموسيقى ضد عمل الأطفال" التي أطلقتها منظمة العمل الدولية في عام 2013 مع أبرز الموسيقيين في العالم. وتبرر الوزارة على لسان المسؤولين عن وحدة مكافحة عمل الأطفال أن "الثغرة الأساسية أنه لا توجد ميزانية لمكافحة عمل الأطفال، إلى جانب انعدام التمويل من الجهات المانحة والمنظمات الدولية... وأن منظمة العمل الدولية المعنية مباشرةً بالملف، والمسؤولة عن الدعم المادي والتقني، تكتفي بإصدار التقارير". إن التدقيق في عمل المؤسسات الدولية يشير إلى كثافة التقارير التي تصدرها حول المواضيع التي تقع ضمن صلاحياتها وأسباب وجودها، وتقوم بتنظيم ورش العمل وتستقدم "الخبراء" الدوليين لتقديم "النصائح" من دون أن نلمس نتائج وإنجازات فعليةً على أرض الواقع يكون لها أثر مباشر على القضاء على عمالة الأطفال. وتُظهر المعطيات من الدراسات كافة التي تناولت ظاهرة عمل الأطفال، أن الفقر وانعدام الأمن الغذائي متلازمان، وأن عمل الأطفال ليس سوى نتاج طبيعي لعلاقات الاستغلال التي تقوم عليها العلاقات الإنتاجية السائدة، وأن التدخلات التي تستخلصها المنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية من الربط بين عمل الأطفال وانعدام الأمن الغذائي لدى أسرهم والمتمثلة في زيادة المساعدات النقدية Cash for Work، لا تتعامل مع الأسباب الحقيقية لعمالة الأطفال، ولذلك تعجز عن المعالجة الجذرية لأسباب المشكلة، وتبقي تدخلاتها في إطار "الإغاثة الإنسانية"، من خلال توزيع مساعدات نقدية، أو في إطار العمل "الفلكلوري" بتنظيم ورش عمل وعقد اجتماعات وإصدار دراسات لم تؤدِ إلى مكافحة هذه الظاهرة المترسخة. وفي المقابل تتزايد أعداد الأطفال المنخرطين في سوق العمل، وتزداد ظروف عملهم قسوةً، وتتم إعادة إنتاج الفقر.