ماذا تكشف الأرقام عن تفشّي مرض السرطان في لبنان؟
الأسباب المؤدية إلى الإصابة بالسرطان
العوامل البيئية كالتلوّث الغذائي والهوائي، شديدة الارتباط بالحالات السرطانية؛ فكلما ارتفعت نسب التلوث، ارتفعت معها أعداد الإصابات بالسرطان، وتفاقمت في ظل غياب التشريعات المتعلّقة بمراقبة سلامة الغذاء وعدم اتخاذ الجهات المسؤولة أي تدابير للحدّ من هذا الأمر.
أما العوامل الاجتماعية، فهي نمط الحياة الذي يعتمده الفرد؛ كالتدخين، وقلّة النشاط البدني، والنظام الغذائي غير الصحي، وشرب الكحول، والسمنة، بالإضافة إلى التوتر العصبي.
نتائج بعض الدراسات التي أجريت في لبنان حول الوضع البيئي:
ارتفاع نسب معدلات المعادن الثقيلة، كالزرنيخ وغيره، في المياه حسب العديد من الدراسات.
مادة النيترات موجودة بكميات أكبر تبلغ أضعاف تلك المسموح بها بسبب تسرّب الزرنيخ من الهواء إلى المياه الجوفية حسب دراسة ميدانية أجراها طلاب كلية الصحة في الجامعة اللبنانية في العام 2017.
مادة الديوكسين المسرطنة في الهواء تضاعفت 416 مرةً حسب دراسة أعدّها باحثون من الجامعة الأمريكية في بيروت في العام 2017، مقارنةً بنتائج دراسة أُجريت عام 2014. وبيّنت الدراسة أن هذه الزيادة ستؤدي إلى ارتفاع احتمال الإصابة بالسرطان من معدل شخص بالغ و4 أطفال من أصل مليون نسمة، إلى 34 بالغاً و176 طفلاً من كل مليون نسمة في المناطق السكنية المكتظة التي تشهد حرقاً عشوائياً للنفايات.
التوزّع الجغرافي لانتشار الإصابات في لبنان
يشير تتبّع أوضاع المناطق اللبنانية، إلى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في المناطق القريبة من شركات الإسمنت، ومطامر النفايات ومكبّاتها، والمصانع، ومحطات توليد الطاقة، والأنهر الملوثة، إلى جانب المدن التي ترتفع فيها نسبة التلوث.
أما بالنسبة إلى نهر الليطاني الذي يمر بأكثر من 150 بلدةً بقاعيةً وجنوبيةً، أي ما يقارب 10% من بلدات لبنان، فقد أعلن المجلس الوطني للبحوث العلمية عام 2016، موته بيئياً. ومع ارتفاع نسبة التلوث في النهر وحوضه الجوفي وبحيرة القرعون بنسب تجاوزت الخطوط الحمراء، فقد خلّفت وراءها أعداداً كبيرةً من الإصابات بالسرطان في منطقة البقاعَين الأوسط والغربي.
ويشير التدقيق في أعداد الإصابات بالسرطان في عدد من القرى المحاذية لنهر الليطاني إلى أنها تجاوزت معدل الإصابة المسجل في لبنان لكل 100 ألف نسمة. ومقارنة عدد الإصابات في هذه القرى بعدد السكان يشير إلى أنها تسجل 7 أضعاف في بلدة تمنين التحتا، مقارنةً بالمعدل على المستوى الوطني، و17 ضعفاً في القرعون، و23 ضعفاً في حوش الرافقة، و31 ضعفاً في بلدة بر الياس.
معدلات السرطان في لبنان
لبنان مقارنةً بالدول العربية المحيطة به
الخدمات الصحيّة لمرضى السرطان في لبنان
يُفترض بالسياسات الصحيّة التي تتعامل مع مرض مثل السرطان، أن تكون فعّالةً من خلال خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تقع على عاتقها أولاً مهمة تحسين مستوى السلوك الصحي والغذائي بما يساهم في تقليل الإصابة بالأمراض، وثانياً اكتشاف الأمراض في مراحلها الأولى ومعالجتها والعمل على عدم وصولها إلى مراحل حرجة تتطلب تدخّلات علاجيةً مكلفةً.
بالنسبة إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية، فجزء كبير منها كان يعمل على طريقة المستوصفات دون أن يكون لها أي دور فاعل في تعزيز الرعاية الصحية الأولية، ومع الأزمة الاقتصادية وتآكل الميزانية المخصّصة لهذه المراكز، أصبحت عاجزةً عن القيام بدورها.
أما بالنسبة إلى علاج مرضى السرطان، فيوجد في لبنان 450 دواءً مخصّصاً لهم ومسجلاً في وزارة الصحة، ويتم توفيرها عن طريق شركات الاستيراد الخاصة، وكانت وزارة الصحة تقوم بتحمّل كلفة علاج المرضى. مع تفاقم الأزمة، تم اتخاذ قرار بالإبقاء على دعم أدوية السرطان بمبلغ 25 مليون دولار أميركي سنوياً من أموال حقوق السحب الخاصة، على أن يتم تقليص عدد الأدوية التي تغطيها الوزارة إلى 14 دواءً فقط، واشتراط الدعم بموافقة لجنة من الوزارة على البروتوكول المعتمد من قبل الطبيب المعالج.
ماذا تعني عملية الموافقة على البروتوكول المعتمد؟
ما الحلول المتوافرة حالياً أمام مرضى السرطان؟
ولكن مع ارتفاع عدد المرضى في العام 2020، وتوقع أن يتراوح عدد المحتاجين إلى العلاج على حساب وزارة الصحة بين 12 و18 ألف مريض، استناداً إلى معطيات الوزارة وأرقامها، فإن الكلفة المتوقعة بحدّها الأدنى تبلغ نحو 105 ملايين دولار، في حين أن جل ما تم إقراره لا يتجاوز 25 مليوناً، مع المطالبة برفعه إلى 35 مليون دولار.
ولن تكون وزارة الصحة قادرةً على توفير الأدوية لجميع المرضى، وسيتحمل الفقراء ومتوسطو الحال تبعات ذلك، خصوصاً أولئك الذين ليس في مقدورهم التواصل مع نافذين للحصول على الدواء.
المرضى الفلسطينيون والسوريون
بالنسبة للاجئين الفلسطينين، كانت الأونروا تغطّي 50% من كلفة الدواء على ألّا يتعدى سقف التغطية 8،000 دولار أمريكي لكل مريض، ويتحمل المريض 50% بالإضافة إلى كلفة العلاج في المستشفى. إلا أنه مع الأزمة الاقتصادية ودولرة أسعار الدواء وكلفة المستشفى، أصبحت كلفة العلاج تشكل عبئاً كبيراً ما دفع بالكثير من الفلسطينيين إلى عدم الانتظام في علاجهم، برغم تداعيات ذلك على صحتهم وتهديد حياتهم.
أما بالنسبة إلى النازحين السوريين، فتقدّم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR، العديد من الخدمات الصحية للمسجلين لديها والذين يتراوح عددهم بين 800،000 و1،200،000 نازح، باستثناء العلاج من الأمراض السرطانية. لذا، يضطر من في استطاعته التوجه إلى سوريا إلى أن يذهب إلى مستشفياتها من أجل تلقّي العلاج على نفقة الدولة السورية.
التوقعات عن ارتفاع أعداد الإصابات بالسرطان مخيفة، ويقابلها انهيار الخدمات الصحية والعلاجية. ويبدو أن احتلال لبنان المرتبة الأولى في عدد الحالات السرطانية مستمر طالما هناك "سرطان" من نوع آخر، يحكمه ويسير به نحو المرض والمعاناة والعجز.
يبقى السؤال: في ظل انهيار الخدمات الصحية والتلوّث البيئي المتزايد، أي مصير ينتظر مرضى السرطان؟