الأرقام تكشف مطامع إسرائيل الكثيرة في الجولان... هل يمكن أن تستعيده سوريا؟
مرتفعات الجولان
تقع مرتفعات الجولان في جنوب غرب سوريا، وهي هضبة يحدّها لبنان من الشمال، وإسرائيل من الغرب، والأردن من الجنوب، وبقية سوريا من الشرق. تمتد هذه المنطقة ذات الأهمية الجيو-سياسية على مساحة 1،800 كلم2. وكانت نقطةً محوريةً للصراع منذ احتلالها من قبل إسرائيل في عام 1967. تتميز تضاريسها بالوعورة وتشمل جبل الشيخ، أعلى نقطة في المنطقة، بينما يرتفع القسم الذي تسيطر عليه إسرائيل 2،224 متراً.
وفي عام 1981، أقرّت إسرائيل قانون ضمّ الجولان إليها، والذي لا يزال المجتمع الدولي يعارضه إلى حد كبير، حيث دعت الأمم المتحدة إلى إعادته إلى سوريا. ومع ذلك، اعترفت الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب، بالسيادة الإسرائيلية على المنطقة في عام 2019، وهي خطوة تعرضت لانتقادات واسعة النطاق على المستوى الدولي.
وخلال كانون الأول/ ديسمبر 2024، وبعد انهيار نظام الأسد، وسّعت إسرائيل سيطرتها في الجولان من خلال احتلال مناطق داخل المنطقة العازلة. وبحسب ما ورد، فقد تقدّمت القوات الإسرائيلية حتى مسافة 25 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وباتت قاب قوسين من العاصمة دمشق.
الأهمية الإستراتيجية لهضبة الجولان
يوفر موقع مرتفعات الجولان المرتفع أهميةً إستراتيجيةً بالغةً، حيث يوفّر مزايا عسكريةً وسيطرةً على موارد المنطقة كافة، وهي مهمة ومتنوعة.
الأهمية العسكرية
توفر مرتفعات الجولان ميزةً عسكريةً كبيرةً بسبب ارتفاعها الشاهق، وارتفاع جبل الشيخ، وهو أعلى نقطة في المنطقة، حيث يصل ارتفاع قمته إلى 2،814 متراً فوق مستوى سطح البحر.
وتوفر القيمة العسكرية الإستراتيجية لجبل الشيخ القدرة على المراقبة والرصد، إذ يوفر ارتفاعه العالي إطلالةً شاملةً على الأراضي المحيطة، بما في ذلك سوريا ولبنان وأجزاء من إسرائيل. وقد أنشأت إسرائيل منشآت رادار واتصالات رئيسيةً على الجبل، تلعب دوراً حاسماً في جمع المعلومات الاستخبارية.
الموارد المائية
تُعدّ مرتفعات الجولان مصدراً مهماً للمياه بالنسبة إلى إسرائيل، حيث تساهم بنسبة 15% من إمدادات المياه في الأخيرة:
• منابع نهر الأردن: ينبع نهر الأردن من ثلاثة ينابيع رئيسية هي: نهر بانياس في مرتفعات الجولان، ونهر دان في إسرائيل، ونهر الحاصباني في لبنان. ويبلغ طول النهر 360 كيلومتراً، ويتدفق جنوباً إلى بحر الجليل ويصبّ في البحر الميت. وينقسم النهر إلى نهر الأردن العلوي (من ملتقى نهر بانياس ودان والحاصباني إلى بحر الجليل)، ونهر الأردن السفلي (من بحر الجليل إلى البحر الميت).
• بحيرة طبريا: تقع بحيرة طبريا إلى الغرب من مرتفعات الجولان، وهي أكبر بحيرة للمياه العذبة في إسرائيل، وخزّان رئيس للمياه. تتلقى البحيرة تدفقات كبيرةً من نهر الأردن وروافده، والتي يعبر العديد منها مرتفعات الجولان. تغذّي مرتفعات الجولان نحو 15% من إجمالي إمدادات المياه في إسرائيل، وذلك في المقام الأول من خلال نهر الأردن وبحيرة طبريا. وتُستغلّ ينابيع المنطقة ومجاريها للاستخدام الزراعي والمنزلي، ما يعزز أمن إسرائيل المائي. ومنذ فقدان السيطرة على مرتفعات الجولان، أصبح وصول سوريا المباشر إلى منابع نهر الأردن محدوداً جداً.
الموارد الزراعية
تشتهر مرتفعات الجولان بأرضها الزراعية الخصبة، التي تدعم زراعة المحاصيل المختلفة وتحتضن موارد معدنيةً قيّمةً. وفي ما يلي لمحة عامة عن الإحصائيات المتعلقة بالإنتاج الزراعي وتوزيع الموارد بين إسرائيل وسوريا قبل التوسع الإقليمي الأخير لإسرائيل وبعده.
• التفاح: تُعدّ مرتفعات الجولان منطقةً رئيسيةً لإنتاج التفاح، حيث تنتج نحو 50 ألف طنّ سنوياً. ويمثّل هذا نحو 30% من إجمالي إنتاج التفاح في إسرائيل.
• مزارع الكروم وإنتاج النبيذ: تضم المنطقة أكثر من اثني عشر مصنعاً للنبيذ، تنتج نحو 6 ملايين زجاجة من النبيذ سنوياً. ويُعدّ مصنع نبيذ مرتفعات الجولان، الذي تأسس عام 1983، أحد أبرز منتجي النبيذ في إسرائيل.
• الزيتون وزيت الزيتون: تغطّي بساتين الزيتون أجزاء كبيرةً من الجولان، وتساهم في إنتاج إسرائيل السنوي الذي يبلغ نحو 19 ألف طن من الزيتون، تُستخدم في المقام الأول لاستخراج الزيت.
الموارد المعدنية
إلى جانب الأهمية العسكرية والزراعية، كانت مرتفعات الجولان محوراً للتنقيب عن المعادن، خاصةً الهيدروكربونات:
• اكتشافات النفط: في عام 2015، أعلنت شركة "أفيك" للنفط والغاز، وهي شركة تابعة لشركة "جيني إنرجي"، عن اكتشاف احتياطيات نفطية كبيرة في جنوب مرتفعات الجولان. ولاحظ كبير الجيولوجيين يوفال بارتوف، وجود طبقة يبلغ سمكها نحو 350 متراً، وهي أكبر بكثير من المتوسط العالمي الذي يتراوح بين 20 و30 متراً، ما يشير إلى إمكانية وجود مليارات البراميل من النفط.
• أنشطة الاستكشاف: أجرت شركة "أفيك" للنفط والغاز، عمليات حفر استكشافية عبر مواقع متعددة، واكتشفت احتياطيات نفطية كبيرة. وقدّرت الشركة أنّ هذه الاحتياطيات يمكن أن تلبّي احتياجات استهلاك النفط المحلية في إسرائيل، والتي تبلغ نحو 270 ألف برميل يومياً.
وبما أنّ المجتمع الدولي لا يعترف حتى الآن بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ويعدّه أرضاً محتلةً، فإنّ هذا الوضع قد أعاق مساعي استخراج الموارد، حيث يحظر القانون الدولي استغلال الموارد في الأراضي المحتلة دون استفادة السكان المحليين. لكن بعد كانون الأول/ ديسمبر 2024، قد تتغير الأمور بسرعة ويُسمح لإسرائيل بالبدء بالاستخراج.
الموارد السياحية
يُعدّ الجولان وجهةً بارزةً للسياح، وتشير التقديرات إلى استقباله عشرات آلاف الزائرين سنوياً بما في ذلك السياح المحليين والدوليين. ولقد استثمرت إسرائيل بشكل كبير في تحسين الطرق ومراكز الزوار ومشاريع السياحة البيئية لتعزيز تجربة السياحة، التي في المقابل تولّد إيرادات كبيرةً للمنطقة، وتدعم الشركات المحلية والمطاعم ومقدمي أماكن الإقامة، وذلك بسبب مناطق الجذب التالية:
الحدائق الطبيعية: تُعدّ المنطقة موطناً للعديد من المنتزهات الوطنية والمحميات الطبيعية، مثل محمية بانياس الطبيعية وجبل الشيخ، والتي تحظى بشعبية بين المتنزهين وعشاق الطبيعة.
مصانع النبيذ: تشتهر مرتفعات الجولان بمصانع النبيذ، ما يجذب عشّاق النبيذ إلى المنطقة.
المواقع التاريخية: للمواقع مثل محمية جاملا الطبيعية، أهمية تاريخية، وهي تجذب العديد من الزوار المهتمين بالآثار والتاريخ.
الديموغرافيا والاستيطان
شهدت مرتفعات الجولان تغيرات ديموغرافيةً ملحوظةً على مرّ السنين، متأثرةً بالأحداث الجيو-سياسية والسياسات الحكومية والديناميكيات الإقليمية.
قبل حرب الأيام الستة عام 1967، كان عدد سكان مرتفعات الجولان يقدر بـ130،000 إلى 145،000 نسمة، بمن في ذلك نحو 17،000 لاجئ فلسطيني. وقد أدى النزوح القسري إلى أزمة إنسانية إذ عانى النازحون السوريون لعقود في مخيمات اللاجئين أو تحت سيطرة الحكومة السورية في مناطق أقل خصوبةً وهامشيةً اقتصادياً. كما أدى إلى فقدان التراث الثقافي والقضاء على المعالم الثقافية والمساجد والمواقع التاريخية التي كانت جزءاً لا يتجزأ من الهوية السورية للمنطقة.
بعد عام 1967: بعد استيلاء إسرائيل على مرتفعات الجولان عام 1967، فرّ جزء كبير من السكان العرب السوريين أو نزح، وبدأت إسرائيل بإنشاء المستوطنات في المنطقة.
وفقاً للتقديرات الأخيرة، يعيش حالياً في مرتفعات الجولان 53 ألف شخص، منهم 27 ألف إسرائيلي يهودي، و24 ألف درزي، و2،000 علوي.
الوضع القانوني الدولي
يمثّل التوسع الإسرائيلي الأخير في المنطقة العازلة، انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والسيادة. إنّ مرتفعات الجولان معترف بها دولياً كأرض سورية خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وأي تعديلات إقليمية، خاصةً التوغلات العسكرية، تتعارض مع اتفاقية فكّ الارتباط لعام 1974، ومبادئ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 497، الذي أعلن ضمّ إسرائيل مرتفعات الجولان في عام 1981، باطلاً ولاغياً.
بعد كانون الأول/ ديسمبر 2024، صمتت دول الغرب عن احتلال إسرائيل أراضي جديدةً، ما يشجع على استمرار تصرفاتها العدوانية. تنظر اليوم سوريا إلى صمت الجهات الفاعلة العالمية، مثل الاتحاد الأوروبي، أو ردود أفعالها المحدودة، على أنه فشل في دعم القانون الدولي، ما يشجع إسرائيل أكثر فأكثر بعد، ويؤدي إلى تآكل الثقة بقدرة المجتمع الدولي على التوسط في الصراع بشكل عادل.
لماذا قد يضيع ما تبقّى من الجولان؟
هنالك احتمال كبير لأن يضيع ما تبقى من الجولان، وأسباب هذا الاحتمال كثيرة: أولاً، لأنّ التوسع الذي قامت به القوات الإسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر 2024، في المنطقة العازلة، سيؤدي إلى تغيير كبير في الديناميكيات الديموغرافية في مرتفعات الجولان، من ارتفاع عدد المستوطنين الإسرائيليين الى التخطيط لبناء مستوطنات جديدة لمضاعفة عدد السكان المتوقع. وتهدف مثل هذه التحولات الديموغرافية إلى ترسيخ سيطرة إسرائيل على المنطقة، وتعقيد أي مفاوضات مستقبلية بشأن استعادتها.
وقد زاد من تعقيدات الوضع موقف بعض وجهاء الدروز الذين طالبوا بالانضمام الى إسرائيل، خشيةً مما ينتظرهم في سوريا ما بعد الأسد، وقد سارع زعيم الدروز في لبنان (وليد جنبلاط)، إلى سوريا في محاولة لضبط الوضع هناك، والتأكيد على هوية الجولان العربية. وقد تستخدم إسرائيل قضية "حماية الدروز" لضمان احتلالها أو أقلّه إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح في ما تبقّى من مناطقهم.
وتبقى التصريحات الإسرائيلية الفجة هي الأخطر، إذ سبق أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، "أنّ إسرائيل ستحتفظ بمرتفعات الجولان، حتى لو تغيرت المواقف الدولية تجاه سوريا"، وقال: "الجولان إسرائيلية، انتهى الكلام". وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أكد نتنياهو أنّ "الجولان سيكون جزءاً من إسرائيل إلى الأبد".
على ضوء كل هذه المعطيات، وبعد أن قامت إسرائيل في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بتدمير معظم قدرات الجيش السوري في أنحاء سوريا كافة، سيكون من الصعب على سوريا استرجاع أراضي الجولان والعمل على نهضتها تحت السيادة السورية، بعد أن ضاقت سبل وقف هذا الاحتلال الغاشم. فهل من يبحث عن حلّ عادل، أو قُضي الأمر وانتهى؟