أثر الأزمة اللبنانية على قطاع التعليم... الأرقام لا تُظهر تسرّباً مدرسيّاً
وتقتصر المعلومات الرسمية الصادرة عن المركز التربوي للبحوث والإنماء، على التعليم النظامي في القطاعين العام والخاص، في دوام قبل الظهر، ولا تشمل التعليم في دوام بعد الظهر، على الرغم من أنه يضمّ ما يقارب 150 ألف تلميذ غالبيتهم من السوريين. في المقابل، فإن المعطيات عن التعليم بعد الظهر شحيحة وتقتصر على ما يتم نشره في التقارير الفصلية الصادرة عن قطاع التربية في فريق التنسيق الخاص بخطة الاستجابة للأزمة السورية التابع لمنظمات الأمم المتحدة في لبنان، والتي غالباً تهتم فقط بمخاطبة الجهات المانحة وتبرير إنفاق الدعم الذي تقدّمه.
يُعدّ الإنفاق على التعليم عند الأسر اللبنانية، من الأولويات وليس الكماليات، وعندما يطرأ تعديل على التعليم، فهذا يشير إلى أن حجم تأثير الأزمة قد وصل إلى حد كبير في الضغط على ميزانية هذه الأُسر.
الأزمة وحجم التغيير
لكن تراجع حصة التعليم الخاص من التعليم العام بنسبة تصل إلى 6%، بدأ قبل انفجار الأزمة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وزاد معها. ويعتبر هذا التراجع أحد المؤشرات المبكرة للأزمة، إلى جانب مؤشرات أخرى مثل إقفال العديد من المؤسسات الإنتاجية والتجارية، والارتفاع التدريجي لمؤشرات البطالة.
بالعودة إلى تلك المرحلة، أقدمت مدارس خاصة في العام الدراسي 2018/ 2019 على رفع الأقساط بذريعة تغطية سلسلة الرتب والرواتب للأساتذة في التعليم الخاص، وعدم احتساب الزيادات الجزئية التي فرضتها في الأعوام السابقة، ما أدى إلى بروز الخلافات بين الأهالي وإدارات هذه المدارس.
يتضح من الأرقام التي ينشرها "المركز التربوي"، أن عدد التلاميذ في القطاع الخاص عاد ليكون كما كان قبل الأزمة، وهنا يُطرح السؤال: هل هذا مرتبط بأن غالبية المدارس الخاصة لم تعمد إلى تعديل رسومها، والتي أصبحت مع انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار بمتناول جميع الأسر؟ قد يكون من الصعب تقديم إجابة حاسمة عن هذا التساؤل، في انتظار معطيات العام الدراسي 2023-2024، لا سيما وأن الاتجاه العام للمدارس الخاصة هو نحو دولرة الأقساط، ما سيدفع فئات كثيرةً إلى التخلي عن المدرسة الخاصة والانتقال إلى المدرسة الرسمية مجدداً.
أثر النزوح العكسي
ويمكن القول إن حجم ظاهرة النزوح العكسي هي أكبر من النسبة المذكورة أعلاه، لأن ظاهرة تراجع أعداد التلاميذ الإجمالي ترتبط بهجرة الأسر إلى خارج لبنان.
هل هناك تسرّب مدرسي؟
في المقابل، ازداد عدد التلامذة السوريين بنسبة تصل إلى 10.8%، في العام الدراسي 2020/ 2021، مقارنةً بالعام 2018/ 2019، بعد أن شهد انخفاضاً في عامي 2019/ 2020 و2020/ 2021.
ويلاحَظ أن التراجع طال فقط الطلاب اللبنانيين، وبنسبة 1% خلال أربع سنوات، ويمكن ربط هذا التراجع الطفيف في عدد التلامذة اللبنانيين بحركة الهجرة التي ارتفعت بشكل كبير بعد تفجير مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020. غير أن زيادة أعداد التلامذة السوريين بنسبة 10.8% يشير وبشكل واضح إلى تحسن عملية الاستقطاب التي تقوم بها المنظمات المعنية في خطة الاستجابة للأزمة السورية في لبنان.
لطالما كان التعليم الرسمي هو أحد أبرز السبل للترقي الاجتماعي في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، إلا أنه وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يعيشها المجتمع اللبناني، وفي ظل تراجع نوعية التعليم وكميته اللتين يحصل عليهما التلامذة في التعليم الرسمي، فإن عملية تهميش الفئات الأكثر فقراً سوف تزداد، وستعمّق الفرز الطبقي بين الفئات الاجتماعية اللبنانية.